القصة القصيرة
قهر واغتصاب
بقلم / أحمد عبد اللطيف النجار
مصر
&&&&&&&&&&
ثمار الحنظل ماذا تتوقعون أن يكون طعمها ؟!.. إنه مُر بلا شك !
هكذا هي كل أعمال بني آدم في حياته ، لابد أن يجني ثمارها يوماً ما ، بل أحياناً يجني تلك الثمار المُرة أحفاد الأحفاد !!
أنت أيها الإنسان بعملك الطيّب تكون كمن يغرس زرعاً طيّباً يؤتي أُكله بعد حين ،وأيضاً بعملك الشرّير لابد أن تجني ثمار ما زرعته يوماً ما ولن تفلت أبداً من العقاب الإلهي في الدنيا والآخرة !
صاحبي سامي جاءني ذات ليلة وكل أحزان الدنيا وهمومها فوق رأسه ... قبل أن أسأله عن أحواله قال دعني أقص عليك مأساتي من البداية لتحكم لي أو عليّ ، يقول سامي :
أنا رجل في الخامسة والأربعين من عمري ، نشأت في أسرة متوسطة لأب يعمل موظفاً بسيطاً ويملك محلاً تجارياً ورثه عن أبيه يديره إلى جانب عمله ، وكنت الابن الوحيد علي ثلاث شقيقات هن الكبرى نجوى ثم الوسطى ابتسام والصغرى فريدة ... كنت استحوذ دائماً علي اهتمام وحب ورعاية أبي وأمي ، وأصبحت لي بين شقيقاتي مكانة رفيعة باعتباري الولد الوحيد بينهن ، وبسبب حنان أمي الزائد وضعف أبي العاطفي تجاهي كانت أفضل الأشياء تأتي لي أولاً قبل أخواتي ،
وأجمل الهدايا يخصني بها أبي وأمي دونهن !... أما عيد ميلادي فكان يتحول كل سنة إلى احتفال قومي ، وأمي تغضب كثيراً ممنْ يخطئ ويناديها بأم نجوى ( إشارة إلى شقيقتي الكبرى ) وتعتز بلقبها أم سامي ، وبالرغم من حب شقيقاتي لي فلقد كن في بعض الأحيان يتضجرن من تمييز أبي وأمي لي ومحاباتهما على حسابهن ويعاتبنهما على ذلك فلا يلقين منهما إلا الاستنكار والاتهام بالغيرة مني ، بل والخصام لهن أحياناً إلى أن يعتذرن عن سوء أدبهن !!
كانت دائماً حُجة والدي لتبرير التفرقة في المعاملة أنني الولد الوحيد بينهن ومن الضروري أن يقوّى شخصيتي كي أقوم بدور رجل الأسرة من بعده واحمي شقيقاتي من غدر الزمان !
مرت الأيام سريعاً ولم أكد أصل إلى سن المراهقة حتى صرت أهم شخصية في أسرتي وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيها ، لا يجرؤ أحد على معارضتي ، وأبي وأمي يتفاديان غضبي بكل الوسائل ، فلم تجد شقيقاتي إلا التسليم بالأمر الواقع !
كانت أخواتي متفوقات في دراستهن وينجحن كل عام بسهولة ، أما أنا فقد كنت أمضي في دراستي بصعوبة بالغة وأستعين بالدروس الخصوصية ، فأنجح مرة وأرسب مرّات ، حتى في حالة رسوبي فلا يلومني أحد على فشلي وتعثري ، وإذا نجحت انهالت عليّ الهدايا والنقود وتًقام الأفراح والليالي الملاح !
مرت السنين وحصلت علي الثانوية العامة بمجموع ضعيف وانتسبت لكلية الآداب وحصلت علي شهادة الليسانس بشق الأنفس ، ونجح أبي في تعييني بجهة عمله قبل إحالته للمعاش ... بعد خروج أبي علي المعاش تفرغ لتجارته وتوسع فيها وأشركني معه ، وخُطبت شقيقتاي الكبرى والوسطى لشابين مناسبان ، وبدأنا نستعد لإتمام زواجهما فإذا بأبي يُغمى عليه فجأة وهو في المحل ويُنقل إلى البيت ويلقى وجه ربه في أقل من ساعة !
ساعتها يا صاحبي وجدت نفسي أمام المسئولية التي أعدني لها أبي
منذ البداية ، فأتممت زواج شقيقتاي بأقل التكاليف وبجهاز متواضع للغاية مما أثر في نفسيتهما كثيراً وكانت حُجتي في ذلك ألا تتأثر تجارتي ، ونشبت بيني وبينهن بعض الخلافات فاتهماني بالتقتير عليهن وطالبنني بتوزيع التركة ، لكني رفضت ذلك نهائياً حتى لا تتفتت التركة وتضعف التجارة وساندتني أمي بالطبع ضدهما !
انتهي الأمر برضوخهن وفي نفسيتهن شئ من المرارة تجاهي ، وتماديت في ظلمي لإخوتي اليتامى وأقنعت أمي بالتنازل عن ميراثها من أبي لي ، وكذلك قطعة أرض بناء كانت مملوكة باسمها ، كل ذلك لكي أحمي ميراث أبي من طمع أزواجهن واستجابت أمي لي بعد بعض التردد !
وعندما جاء دور أختي الصغرى فريدة كي تتزوج ، كررت معها ما حدث مع الأخريين !... بعد أن انتهيت من مسئوليتي عن شقيقاتي بدأت على الفور تغيير السجل التجاري باسمي، ثم عقد الإيجار، ونقلت ملكية البيت باسمي ، وحصلت علي توقيع شقيقاتي بتوكيل عام لي لفترة محددة بعد إقناعهن بأنني احتاج التوكيل لتسوية مشكلة الضرائب وعوائد البيت المتراكمة ... هكذا نقلت كل شئ باسمي !!
فكّرت بعد ذلك في الزواج فتزوجت من فهيمه الموظفة التي تعمل معي وتم الزواج رغم اعتراض أمي عليها وعلى مستوى عائلتها ، لكني لم أجد صعوبة كبيرة في إقناعها ... مرت الأيام سريعة وبعد إنجاب طفلي الأول بدأت المشاكل بين أمي وزوجتي فهيمه ، وتحوّلت حياتي إلى جحيم حقيقي ، فزوجتي تتهمني بالضعف مع أمي وتقاعسي عن حفظ كرامتها ، وقررت لحل تلك المشكلة الكبرى أن ابني لأمي شقة من غرفة وصالة فوق السطوح ، وغضبت أمي كثيراً من قراري وبكت بمرارة ثم قبلت الرضوخ في النهاية وأصبحت منعزلة وحدها فوق السطوح !!
منذ ذلك اليوم يا صاح استقرت المرارة في نفس أمي تجاهي ، قالت لي أنها لن تغفر لي إخراجها من بيتها الذي أفنت فيه عمرها كله لكي
تنفرد به تلك الصعلوكة التي تزوجتها .... وماتت أمي ..نعم ماتت يا صديقي وفي نفسها مرارة كبيرة تجاهي ، وبعد شهور من رحيلها فوجئت بشقيقاتي يطلبن مني أنصبتهن في تركة أبي !
جاءت اللحظة التي تخوّفت منها كثيراً ولم أجد مفراً من مواجهتهن بأنهن لا يملكن أي شئ ، فكل شئ باسمي وأن ما أعطيه لهن فإنه من باب المساعدة !!
وانفجرت العاصفة وتدخل الأهل بيننا ولجأت شقيقاتي إلى زوجتي فهيمه كي تتدخل لدي ، فاعتذرت بأنها لا تريد التدخل بين الأشقاء ، بل وحثتني سراً على ألا أضعف أمامهن ! ... تطورت الأحداث سريعاً وقامت شقيقاتي برفع قضية ضدي في المحكمة ، فانفجر بركان غضبي وأعلنتهن بقطع مساعداتي عنهن ما دمن يتنكرن للجميل ، وحلّ الخصام بيني وبين شقيقاتي منذ ذلك اليوم المشئوم !
في هذه الأثناء اقترحت عليّ زوجتي فهيمه أن أنقل قطعة الأرض البناء التي كتبتها باسمي إلي ملكيتها حتى إذا نازعتني شقيقاتي لم يجدن باسمي سوى التجارة التي يصعب إثبات حقهن فيها ، على أن آخذ منها الضمانات الكافية لإثبات ملكيتي للأرض واستردها منها فيما بعد !
اقتنعت باقتراح زوجتي العزيزة ونفّذته بالفعل واستكتبتها إيصال أمانة بقيمة الأرض احتفظت به في مكان آمن .... مضت الأيام وفوجئت بشقيقاتي يتنازلن عن نزاعهن معي في المحاكم حفاظاً علي صلة الرحم والدم بيننا ، فشعرت بالاطمئنان من ناحيتهن ، ورأيت أن الوقت قد حان لاسترداد قطعة الأرض من زوجتي ( العزيزة ) فطلبت منها الأوراق اللازمة لاسترداد الأرض ، وإذ بها ترفض رفضاً قاطعاً وجازماً إعادتها إليّ ، ففقدت أعصابي وأنهلت عليها ورفعت سكين المطبخ في وجهها وعلا الصراخ وبكاء أطفالي ، وتبادلنا أقذع السباب والاتهامات ... قالت لي ضمن ما قالت أنني سرقت شقيقاتي ، فجن جنوني وهجمت عليها فأسرعت بالفرار بملابس البيت إلي
الشارع ، ولم تمض ساعة حتى فوجئت بشقيقيها يهجمان عليّ في مسكني ويضرباني ... تجّمع الجيران وأصبحت فضيحة مدوية في الحي كله !.. وانتهى الأمر بطلاقي لها وضياع قطعة الأرض التي اغتصبتها من شقيقاتي المساكين والتي تجاوز ثمنها نصف مليون جنيه !
مرت الأيام كئيبة ووجدت نفسي في دوّامة من قضايا النفقة والاعتداء بالضرب وتبديد المنقولات ... لقد تحوّلت حياتي إلى منازعات مستمرة واستدعاء إلى قسم الشرطة وحضور لجلسات المحاكم و مقابلات مع المحامين وهروب من الأحكام !
هكذا يا صديقي عشت أربعة أعوام في الجحيم ، تركت بصماتها الغائرة في حياتي وخرجت منها بمرض السكر وارتفاع ضغط الدم والصداع الدائم والخسائر المادية الكبيرة حتى كدت أشهر إفلاس تجارتي !
في وسط متاعبي وأحزاني تلّفت حولي فوجدتني أعيش في بيت الأسرة وحيداً بلا زوجة ولا أطفال وليس حولي أحد من شقيقاتي وأقاربي !
ساعتها تذكرت النظرة المريرة في عين أمي يرحمها الله خلال عاميها الأخيرين ، ونظرة القهر والحسرة في عيون شقيقاتي في آخر لقاء لي معهن !.... وقتها اكتشفت أنني لم أرهن منذ أكثر من سبع سنوات عجاف ، لم أتحدث إليهن أو تتصل بي إحداهن ... يا إلهي !!.. ما الذي فعلته برحمي .. بأخواتي .. بنفسي ؟!!
تساءلت .. هل يمكن أن يجئ اليوم الذي تنسي فيه شقيقاتي كل ما حدث بيننا ونرجع إخوة متحابين ، متعاطفين كما كنا في الأيام الخوالي؟!
تأملت أحوالهن فوجدت كل واحدة تعيش حياتها في حدود دخل زوجها ، لكنهن يعشن في أمان وسلام وموّدة مع أزواجهن وأبنائهن ، يتزاورن فيما بينهن ويزورهن الأهل والأقارب ويقمن برد الزيارات ، أما أنا فأعيش وحيداً منبوذاً من الجميع كالكلب الأجرب بلا أسرة ولا أبناء ولا شقيقات ولا أقارب ولا حتى احترام من أهلي الذين استاءوا
مني جميعاً لما فعلته مع شقيقاتي ، فهل أنجح يوماً في إصلاح ما أفسده الزمن بيني وبين شقيقاتي ؟... هل من طريق للصفح والغفران واستعادة الودّ القديم مع شقيقاتي ؟!!
تلك هي مأساتي يا صاحبي ومشكلتي التي أتمنى أن أجد لها حلاً يوماً ما ... فماذا تري ؟
*تلك هي قصة الجشع والطمع والأنانية والقهر والاغتصاب وأكل حقوق اليتامى ... كل تلك الأوصاف تنطبق على صاحبي سامي بكل حسرة وأسف !
تلك هي عاقبة الطمع يا صديقي .. تلك هي عاقبة ( عشق ) الذات ، فأنت قد فعلت فعلتك تلك بقلب متحّجر وضمير ميّت ، فقد هانت عليك شقيقاتك اليتامى .. هانت عليك أمك .. هانت عليك نفسك فأهنتها وانقدت ذليلاً خاضعاً لأهوائها ويا ويل منْ ينقاد لأهواء نفسه !
ويل لمنْ يستلذ الخضوع والخنوع لهمسات شياطين الإنس والجن ، أنت في الواقع ضحية التربية الخاطئة ، المريضة والتدليل الزائد عن الحد من الأب والأم !.. وها هو الزمن يدور دورته فتضطرب أحوالك على تلك الصورة التراجيدية ، فتفقد حياتك العائلية وتخسر بعض المال المُغتصب علي يد زوجتك التي لم تترفق بك كما لم تترفق أنت بشقيقاتك اليتامى ، وتتجرع حتي الثمالة طعم الوحدة والانقطاع عن الأهل والأحباب وابتعاد شقيقاتك عنك !
ذلك يا صاحبي هو الثمن العادل لأفعالك الظالمة وتجّبرك على خلق الله ، ولا أنسى أبداً موقف والدتك السلبي وتأييدها لك في ظلمك لإخوتك حتى أنك ظلمتها هي نفسها بنفيها للعيش فوق سطوح البيت !
لقد ماتت أمك وهي غاضبة عليك مقهورة منك ومن زوجتك ، وتوالت الأحداث بعد ذلك عاصفة في حياتك ، ففقدت كل شئ حصلت عليه قهراً واغتصاباً ، وتلك هي عاقبة الظالمين في الدنيا والآخرة ، كما تدين تُدان ، فقد رزقك الله زوجة لا قلب لها ولا ضمير ، ساعدتك على ظلمك لشقيقاتك اليتامى واغتصاب حقوقهن الشرعية في الميراث ، لقد
سلّطها المولي عز وجل عليك كي تشرب من نفس الكأس الذي أذقته للآخرين !
أنت الآن نادم علي فعلتك وتطلب الصفح والغفران من شقيقاتك .. لا بأس إنها بادرة طيبة منك ينقصها صدق اليقين والقول والعمل ، فينبغي عليك قبل أي شئ أن تعيد الحقوق المغتصبة لأصحابها كي تثبت للجميع صدق توبتك ، والزمن كفيل بعد ذلك بأن يذيب كل المرارات من النفوس ، إنه اختبار حقيقي لصدق ندمك علي ما فعلت ، أرجو أن تنجح فيه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحمد عبد اللطيف النجار
مصر