شاعر الاول

الجمعة، 23 ديسمبر 2016

ظمأ الدنيا / بقلم / أحمد عبد اللطيف النجار


روائع القصص الفكرية
ظمأ الدنيا
بقلم / أحمد عبد اللطيف النجار
أديب ومفكر مصري
$$$$$ ليست مجرد قصة $$$$$
$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$
الصحة والستر نعمتان من أعظم النعم التي أنعم بها المولى عز وجل على عباده ، ونعم الله لا تُعد ولا تُحصى .
تصوَر معي أخي الكريم أن معك مال قارون ، لكنك مريض بداء عضال تحيّر الأطباء في علاجه .. فهل ينفعك مالك حينئذ ؟ .. لا والله ، فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى !
نعم الصحة من أعظم النعم التي وهبها الخالق للمخلوق ، وبجانب الصحة نجد الستر ، والستر بمعناه الواسع يعني أن تكون موفقاً في كل أمورك فلا يفضحك الله في عملك وفي كل شئونك .
إذن فالصحة والستر من أعظم النعم وأشملها ، بمعنى أنه إذا دامت لك الصحة مع الستر فقد ضمنت سعادة العيش وراحة البال ، لكن ما بالنا نرى بعض الناس يطمعون في الدنيا أكثر من اللازم ، يعيشون دائماً وأبداً في ظمأ للمال لا يرتوون ولا يكتفون! .... هؤلاء الذين انساقوا وراء شهواتهم وحبهم للمال ، يفضلون كنز المال لديهم ويبخلون علي عباد الله بمال الله الذي
وهبهم إياه !
صاحبي إسماعيل جاءني ذات ليلة سعيداً راضياً علي وجهه يشع نور الإيمان قائلاً : نشأت في أسرة متراحمة مع أشقائي وشقيقاتي ، والدي تاجر ميسور الحال ، ومنذ الصغر كنت أعاون أبي في تجارته فكنت أذهب إلى المحل في ساعات فراغي من الدراسة وأشاركه العمل في المحل حتى وصلت إلى الثانوية العامة ، فتعثرت في الحصول عليها عامان متتاليان ورأى أبي أن أتوقف عن الدراسة وأتفرغ للعمل ... وافقت وشققت طريقي معه في العمل الذي أحببته ولم تمض بضعة شهور حتى كنت أدير العمل كله وحدي ، فجأة طلب مني أبي العودة للدراسة وامتثلت لإرادته لأني نشأت علي حبه وطاعته حتى ولو اختلفت معه في الرأي .
كان من العاملين لدى أبي موظف أمين مشهود له بالأمانة واستقامة الخلق .. كان يحبني كأحد أبنائه وأحبه وأحترمه لطيبته وحسن مودته لي ، وكنت أزوره في بيته كثيراً واستشعر الراحة والأمان بين أبنائه ومن بينهم سميحة ، تلك الفتاة الهادئة المهذبة في المرحلة الثانوية .... توثقت علاقتي بالأسرة وبدأت استذكر دروس الثانوية العامة مع سميحة، ورحت أقضي معظم أوقاتي بينهم حتى كلّل الله جهودنا بالنجاح وسعد أبي سعادة طاغية وسألني عن المكافأة التي أريدها بمناسبة نجاحي فطلبت منه أن أخطب سميحة ، فاستمع إليّ جيداً وقال أنه لا يمانع فالأب رجل فاضل وأسرته شريفة ، وبحكمة أبي وطريقته العملية في الحياة رأى أن أتزوجها على الفور حتى أتفرغ للدراسة والعمل الذي عدت إليه بعد نجاحي .
تزوجت سميحة خلال شهور قليلة ورأى أبي أن أبدأ السلم من أوله حتى لا استسهل كل شئ في حياتي ، فتزوجنا في شقة صغيرة بأحد الأحياء الشعبية وبأثاث بسيط للغاية بلا أي كماليات ، فلم يكن لدينا سخان ولا غسّالة ولا تليفزيون ... رغم ذلك فقد بدأنا حياتنا الزوجية في قمة السعادة والتحقت بكلية التجارة وعملت كموظف في تجارة
أبي ، وعملت معي زوجتي سميحة في نفس المكان كموظفة صغيرة !
كان مجموع مرتبنا نحن الاثنان يقل عن مرتب أي موظف آخر مع أنني صاحب المال أو بمعني أصح ابن صاحب المال ، مع هذا كنا سعداء بأننا نعمل ونكافح كي نعول أنفسنا ، وكنا نذهب للعمل في السابعة صباحاً ولا نعود منه إلا في العاشرة مساءاً ..... مضت أيامنا هكذا حتى أكرمني الله ونجحت ، وبعد عام من زواجنا أنجبت زوجتي طفلاً جميلاً توّج حبنا وكفاحنا، والآن أحلم باليوم الذي سأتخّرج فيه وأبدأ عملاً خاصاً أنجح فيه بإذن الله وننتقل من الشقة الصغيرة إلى شقة أوسع ومن التقشف إلى السعة ومن العناء إلى الراحة ، لكن كانت مشيئة الله غير ذلك ، فقد صحوت ذات يوم على آلام شديدة في بطني ومعدتي لم أقو على احتمالها وأسرعت سميحة بنقلي للمستشفى وتبيّن هناك أنني قد أصبت وأنا في السابعة والعشرين من عمري بقرحة في القولون والأمعاء الغليظة واحتاج إلى جراحة عاجلة وتمت الجراحة ، ولكن بعد فترة حدث ثقب في الأمعاء امتد إلى خارج الجسم ونقص وزني بصورة رهيبة وأيقن الجميع أن قضاء الله قد حمّ !
في هذا الجو الكئيب صارح أحد الأطباء زوجتي بأن هناك بصيص أمل في إنقاذي إذا استطعت السفر إلى لندن خلال يومان على الأكثر وعرض نفسي على أحد مشاهير الأطباء الإنجليز في ذلك التخصص ، وعرفت ذلك من سميحة لكني لم أتعلق بالأمل لأنه يفوق إمكانياتي، فأنا موظف صغير لا امتلك سوى راتبي ، ومن أين أدّبر نفقات السفر والمستشفى والعلاج ؟! ... صرفت الأمر عن ذهني واستسلمت لإرادة الله ، فجأة جاءني أبي يبتسم ابتسامة حزينة يبلغني أنه سيرتب سفري على نفقته خلال يومان للعلاج في لندن ... حاولت أن أرفض عرض والدي باعتبار أن حالتي ميئوس منها ، لكنه قال أكرمه الله : يا بني حين يتعلق الأمر ( بالضنا ) فأنه لا يجوز أن نتعامل معه بنفس الحساب الذي نتعامل به في التجارة أو في أمور الحياة الأخرى ، وإذا كنت تراني الآن ميسور الحال ، فلقد وُلدت عارياً كما دخلتها ، فلا كنت
ولا كانت تجارتي إن لم أجر وراء الأمل حتى آخر قرش أملكه وليفعل الله بنا ما يريد ، واختنق صوته فانهمرت الدموع من عيني وانحنى أبي ليقّبل جبهتي فأمسكت يده بيدي الضعيفة وقّبلتها .... بعد يومان كنت محمولاً فوق نقّالة إلى الطائرة وحيداً بلا رفيق ، وفي مطار لندن كانت هناك نقَالة أخرى تنتظرني لتحملني إلى المستشفى ، وبين جدران المستشفي عشت خمسون يوماً لا أرى غير الطبيب وجدران الغرفة ، وشاءت إرادة ربي الذي يحيي العظام وهي رميم أن أشفى وأنجو من الموت ، فغادرت المستشفى بعد تلك المدة الطويلة إلى المطار مباشرة ، وفي مطار القاهرة كان أبي وأمي وإخوتي وزوجتي ينتظرونني ومعهم الكرسي المتحرك ، وتفاجئ الجميع بي أذهب إليهم سائراً على قدمي ، وكانت فرحتهم وفرحتي بعودتي إليهم طاغية ، لكن متاعبي الصحية لم تنته عند هذا الحد ، فقد طلب مني الطبيب المعالج أن أعود إليه بعد 4 شهور لسد الفتحة الصناعية في البطن ، وعدت بالفعل إلى لندن مرة أخرى وأمضيت فيها 12 يوماً لم أر خلالها الشارع كما حدث في المرة الأولى ، وتم سد الفتحة وعدت طبيعياً كما كنت قبل المرض واستقرت حالتي الصحية بعدها فعدت إلى عملي ودراستي التي أهملتها ، ورزقني المولى عز وجل طفلة أخرى وحصلت على البكالوريوس وقررت ألا أنتظر الوظيفة وعملت بالتجارة وانفصلت عن أبي واستقللت بعملي لكي أعول أسرتي الصغيرة ، وخلال سنوات قليلة من الكفاح المستمر حققت قدراً كبيراً من النجاح مع زوجتي سميحة التي وقفت بجانبي في المحنة والألم ، وبدأت الحياة تبتسم لي من جديد فإذا بالمرض يعاودني من جديد ، فاضطررت لبيع الشقة ودخلت أحد المستشفيات الكبرى وأجريت الجراحة التي لم تنجح بكل أسف !
واضطررت لبيع كل ما أملك وسافرت إلى طبيبي المُعالج في لندن ودخلت المستشف هناك وتم علاجي لكن بغير عودة إلى الحياة الطبيعية إلى الأبد ، إذ سأظل بالفتحة الصناعية ما بقي لي من عمر
ورضيت بذلك وقلت لنفسي أنه قضاء أرحم من قضاء ، كما بقي في جسمي جزء من القولون لم يستأصل بعد ويسبب لي آلاماً لا يحتملها بشر !
عدت إلى حياتي من جديد أعمل وأكسب وأعاني من الآلام والحقن المُسكنة التي أعيش عليها !.... عندما جاء شهر رمضان الكريم نويت الصيام قربى لله تعالى وشكراً له واستطعت بفضل الله أن أصوم منذ خمسة سنوات .
هكذا مضت أيام حياتي بأفراحها وأتراحها واحمد الله تعالى علي نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى .
*صاحبي إسماعيل عانى كثيراً من الآلام ورغم ذلك كان راضياً سعيداً ، وهو هنا صادق في مشاعره لأن منْ عانى الألم ازداد تذوقه لنسائم الحياة الطيبة حين ترّق له .
أعظم عِبرة في قصة صاحبي أنه تمّسك بالصبر والإيمان للتغلب على آلامه وأحزانه ... تغّلب على ظمأ الدنيا بشراب التقوى والإيمان واليقين في رحمة الله ، وتلك هي سُنة الحياة حين تمنح وتحرم وتسخو وتبخل وتعطي وتمنع فتتساوى الأقدار في النهاية ، كما هو حال الدنيا التي لم ترو ظمأ أحد أبداً !!
ولا ننكر أبداً موقف أبيه الرائع عندما أصرّ علي سفره للعلاج بالخارج على نفقته ، فليس هناك أغلى من ( الضنى) على حد قوله !
هنيئاً لصاحبي إسماعيل نجاحه المُشّرف في امتحان الابتلاء ، وحفظه الله من كل شر وسوء فالله خير حافظ وهو أرحم الراحمين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحمد عبد اللطيف النجار
# إقرار علي مسئوليتي الشخصية والأدبية والمهنية .......
جميع الأسماء والأماكن الواردة بقصصي من بنات أفكاري ( يعني من وحي خيالي ) وإن
كانت الأحداث والوقائع حدثت بالفعل وحقيقية 100% ــ هدفي هو نشر نوع جديد و
مبتكر من الأدب الإسلامي والإنساني الواقعي يسمو بالروح إلي آفاق رحبة من الرقي والحب
والتسامح ونشر الوعي الإسلامي بين كل الفئات بأسلوب سهل بسيط لا تعقيد فيه ولا غموض
شباب هذا العصر لا يقرءون ولا يهتمون مطلقاً بالقراءة لانشغالهم بالانترنت والفيس بوك ذلك العالم السحري الذي لا حدود ولا أوطان له ‘ فصار العالم كله قرية صغيرة ،، وكان لابد من التفكير في إبداع أدب جديد يناسب تفكير شباب وفتيات القرن الحادي والعشرين ، وقد أخذت على عاتقي التفكير بجدية في ابتكار ذلك الأدب الهادف في سطور قليلة سريعة القراءة وفي نفس الوقت سريعة التأثير في النفس ، وقد وفقني المولي عز وجل في تأليف أكثر من 1500 قصة قصيرة أو ممكن تسميتها نصوص أدبية من الأدب الواقعي الذي يعالج نقائص النفس البشرية ويداوي جراحها !!

أحمد عبد اللطيف النجار / أديب مصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق