شاعر الاول

الأحد، 19 فبراير 2017

حكاية/ النجوم / بقلم / أمل حسام خضر


حكاية/ النجوم
تعال يا صغيري قبل أن تنام، سأسردُ لك حكاية من البداية إلى النهاية، و لك منها السلوى و المُرجان.
فيها الحكمة و منها العظة و قد حدثت في زمن كان يمتلؤ بالحبِّ و الحنان.
 
كان يا مكان في بيتنا موقدٌ و عائلة صغيرة و جدَّةٌ تحيكُ الصوف على مقعدِها الرنَّان، وتستدلُ بنظاراتها المقعَّرةِ العدسات كقعر الفنجان مواقع الغُرَز وتناغُم الألوان لتصنع لنا لحافاً نتقاسمُ به برد ليلة الشتاء.
 
كانت رمزا للحب والدفء والعطاء، وكان شعرُها الأبيض يغزل نوراً يُظلِّلُ وجهها فيجلبُ للنفس الطمأنينة و الأمان.
ربما شاخ بها العمر و لكن ما شاخت أسنانها، صفُّها كاللؤلؤ المنثور، و ابتسامتها حكاية فيها السرُّ و العنوان.
أحبَّ حكاياها الكبار و الصغار، و بعطفها أسرَتْ قلب الإنسان.
في دفء أحضانها كوخٌ صغير يعُجُّ بمعاني السكينة و السلام.
 
قالت لي ذات يومٍ حكاية جميلة و نحن نحتسي طعامنا على الطاولة الخشبية ذات اللون البُنيِّ و نطلقُ لخيالنا العنان.
و الآن أحكي لك حكاية جدتي يا صغيري ...
في ليلة من ليالي الصيف الهادئ، و النسيمُ عليلٌ و الأشجار واقفة جلس الأطفال الخمسة في حديقة المنزل و العشب الأخضر بساطٌ لهم يتسامرون بينهم الأحاديث ثم انشغلوا و هم يحصون عدد النجوم في السماء.
توقف أحدهم حائراً، متردداً بين النجمة الأربعين، أو ربما إحدى و أربعين!!..
 
جاءهم الأب مندهشاً يتساءل في نفسه: و كيف لأطفالي يحصون عدد النجوم في السماء ؟ و كيف لهذا الصغير بينهم ذو العامين يغفو و هو يُشير بسبابته إلى النجمة الخامسة و يردد : ( خسَّة... خسَّة ).!
لاحظ الأطفال الخمسة قدوم الأب، فالتفت أكبرهم إليه و هو ابن الخمسة عشر عاماً و طلب منه المشاركة.
-
هذه النجوم كثيرةٌ يا أبي، ربما ينتهي الليل و نحن نحصي عددها.
-
و لكن لا يمكننا أن نعلم كم عددها يا بني ؟
-
لا ، من قال لك ذلك يا أبي ؟
 -
يا بني هذه النجوم ضياءٌ للسماء، تؤنسُ القمر و تؤنسنا، و تُضيء لنا الكون، و لها من الفوائد ما جعله الله لنا يُسراً للحياة.
-
يا أبي هل لي أن أعرف بعضاً من فائدتها ؟
 -
طبعاً يا بني، سأخبرك بعضا منها، قد نستدل من النجوم على أوقات البذر و غرس الأشجار، و جهة القبلة و التمييز بين الفصول الأربعة و كذلك الأوقات أيضاً، قال تعالى : ( ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)).
-
حقا يا أبي، للنجوم فوائد كثيرة، و أنا مُنشغل مع إخوتي منذ بداية الليل بإحصاء عددها، شكراً لك يا أبي.
-
لا مشكلة ياصغيري، أتمنى أن تكون قد نلت الفائدة، و لكن لم تخبرني كم عدد النجوم الآن ؟
-
لا أعلم يا أبي قد احتار أمري بين النجمة الأربعين أو ربما إحدى و أربعين.
 -
تعالوا يا صغاري لنعيد إحصاء عدد نجوم السماء.
و راح الأب ينشغل مع صغاره في إحصاء عدد نجوم السماء، و تختلط الأرقام عليهم و يُعاودون حساب عددها من جديد إلى أن غافلهم النوم جميعاً و هم يلتحفون السماء غطاء لهم و النجوم تضيء ليلتهم الهادئة الممزوجة ببراءة الطفولة و عفوية الأشياء.
ثوبُ الْمَسَاَء يَكْتَسـي الْمدينَـة
أغفو و أنا أحصي نجوم السماء
 
تِلك هِـي براءةُ الطُّفولَـــــة...
( و توتة توتة هون بدأت الحدوتة )
الطفولة هـي تِلْكـَ الشَّجَرة التي نَسقيها بِبَراءةِ الماضـي، هـي النَّفس النَّقية و الصَّفاء، و مَحاولةُ إحصاء نُجوم السَّماء!، و تلك هي الروح التي نفتقدها فنغفو على الهموم.
و نام صغيري في نهاية الحكاية و ملائكة الخير تحرُسهُ من كل شر، و قمر مُضيء يُطل عليه من النافذة ليحكي له بأن الطفولة شيء جميل.
القمرُ مضيء
الوسادة ناعمة
 
الأطفال نائمون
أكاليل محبَّة و أمان
 
الطفولة تحفرُ اسمها على غصن الصفصاف
و في الختام كُلي أمل بأحلامٍ وردية لأطفال العالم و السلامُ يعم مدينتنا ، و الأرض واحة فرح لشقاوة أطفالنا بعيداً عن صوت البندقية، و المدفعية، و بُكاء الكبار و الصغار.
بندولة في البستان
أزهارٌ و رياحين
 
شذا الطفولة جميل
تشرق الشمس الذهبية
 
للأحلام طريقٌ و دليل

بقلم أمل حسام خضر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق